-قايمة من النوم ورايحة فين دلوقت؟!
-عطشَانة.
صوت عقارب الساعة كان أعلى من كل ليلة، ولأوّل مرّة أشوف الطُرقة اللي ما بين أوضة النوم والمطبخ كأنّ فيها إضاءة لونها أزرق.
عُمري ما صحيت من النّوم عَشان أشرب، دي أوّل مرة في حياتي، مشيت في الطُرقة وأنا جسمي بيرتعش، الدُنيا كانت برد، بس مع الوقت بدأت أتأكّد إن جسمي هوّ اللي متلّج، مش حكاية الجَو.
وقفت على باب المطبخ، بصّيت لكل حاجة قبل ما أدخل، مُش عارفة إيه إحساس الخوف اللي مسيطر عليّا ده، رغم إن شبّاك المطبخ مقفول وكل حاجة تمام.
وقفت قدّام التلاجة، فتحت بابها ومسكت إزازة مياه، فتحتها ورفعتها عشان أشرب، لمحت خيال على باب فريزر التلاجة، زي ما يكون حد واقف ورايا وصورته معكوسة فوقه.
وقفت متجمّدة، فقدت السيطرة على أعصابي لدرجة إن إزازة المياه وقعت من إيدي واتكسرت، الإزاز اتنطَر في كل مكان، ولأنّي جيت المَطبَخ حافية لقيت كل مكان أحط رجلي فيه كَسْر الإزاز يجرّح فيها، السيراميك بقى كُلّه دَم، ومكانش قُدّامي غير إنّي أطلع فوق ترابيزة المَطبَخ، بصّيت لمنظر الأرض والإزاز المكسور والدَّم، حسّيت إنّي بنهار، وحسّيت إنّي بنهار أكتر لمّا لَقيت نَفَس بارد جاي من ورايا، وزي ما تكون في إيد بتحاول تلمس شعري.
حتّى الصَّرخة مكانتش طالعة من جوّايا، حسّيت مع الوقت إن قوّتي بتضعف أكتر، وكل ما الضعف كان بيتمكّن منّي كل ما كان شعوري بالشيء اللي موجود ورايا كان بيزيد.
أنا دلوقت حاسة فعلًا بإيد بتمسك شَعري، صوابعها عمّالة تتحرَّك، وبتنزل على رقابتي، حتى النَّفَس البارد عمّال يقرّب، ريحته كانت كريهة جدًّا.
شويّة وسمعت صوت الغسّالة بتشتغل، أنا سامعة الموسيقى اللي بترن أوّل ما بضغط “START”، لغاية ما قرَّرت أغلب الخوف وأبص ورايا ناحية الغسّالة، ويا ريتني ما بصّيت.
كان في ملامح لونها أبيض، لكنها قمّة في البشاعة، وِش واحدة عجوزة مكَرمِش، شَعرها كله أبيض، حتى لون الجلد نفسه أبيض، ومليان جروح لونها أحمر، مقدرتش أتحمل المنظر، جسمي كلّه اتشَل ومقدرتش آخد رد فعل، بصّيت قدامي تاني، وحطّيت راسي بين رجلي، حاولت أمنع أي صوت بسمعه، ضغطت على وداني بإيدي، لغاية ما صوت موسيقى الغسالة بدأ يختفي واحدة واحدة، مع الوقت انتهى خالص، ساعِتها بس رفعت راسي، بصّيت في المطبخ والخوف مكلبِشني، لكن كل حاجة كانت رجعت لطبيعتها.
نزلت من فوق التربيزة، لكن من الناحية التانية اللي مفيهاش إزاز، الألم كان رهيب وأنا بحاول أمشي واحدة واحدة لغاية ما أخرج من المطبخ، طلعت ومشيت في الممر، اللي حسّيت المرّة دي وأنا ماشية إن صوت عقارب الساعة رجع لطبيعته.
قعدت في السرير والنوم طاير من عيني، أنا حاسّة إني شُفت كابوس وأنا صاحية، أسناني كانت بتخبَّط في بعضها من الخوف؛ لدرجة إن إيهاب جوزي قِلِق من النوم، قَعَد جنبي وشاف الدَّم اللي نازل من رجلي فوق ملاية السرير، سألني وهو مرعوب:
-مالك؟!
الرَّعشة اللي في جسمي كانت لسّه منعاني من إنّي أتكلّم، لكن حاولت أوصّلّه اللي جوّايا، شاوِرت ناحية المطبخ، ساعِتها قام من السرير وراح هناك، مَغَابش كتير ورِجِع وهو بيقول:
-المطبخ مافيهوش حاجة.
حسّيت إنّي لازم أتكلّم، حاولت بكل طاقتي إنّي أمنع الرَّعشة اللي مَسكاني وقُلت:
-ازاي .. دي الإزازة وقعت منّي لمّا شوفت الـ…
حاجة أقوى من إرادتي منعتني من إنّي أكمّل، ساعتها سألني وقال:
-شوفتِ إيه؟!
-أنا رِجلي كلها جروح من الإزازة اللي وقعت انكَسَرت .. الأرض كلّها دم هناك.
-المطبخ مافيهوش أي حاجة.
-طيّب والجروح اللي ف رِجلي دي؟
الحوار اتقفل لغاية هنا، إيهاب كمّل نوم، وأنا كمّلت تفكير في اللي حصل، لو أنا كان بيتهيّأ لي، الجروح اللي ف رِجلي دي جَت منين؟!
***
مكنتش أتوقّع إن اللي حصل في الليلة دي هيكون بداية لعنة هتبدأ تطاردني، الموضوع حصل من تاني يوم الصبح، لمّا التفكير أخدني تاني لتفاصيل ما انتبهتش لَها، أنا ماصحيتش من النوم من نفسي، أنا بدأت أفتكر كويس، أنا في حاجة كانت بتصحّيني.
زي ما تكون في إيد كانت بتهزّني عشان أصحى، حطّيت كف إيدي على كتفي مكان ما كانت الإيد بتهزّني، حسّيت بألم صعب، زي ما يكون حَرق، رفعت كُمّ البيجامة وبصّيت على مكان الألم، ساعِتها أخدت صدمة كبيرة، مكان الإيد اللي كانت بتصحّيني محروق.
زي ما تكون كدمة مكان خَبطة بآلة حادة، لكن لونها واحساسها نفس الحَرق، أنا ما افتكرش إنّي اتخبطت في حاجة، في سبب ورا ظهور العلامة دي في إيدي.
وَقَفت قُدّام المرايا، كُنت بسرَّح شَعري، واتفاجأت بأن شَعري من ورا زي اللي محروق، دي كانت مكان الإيد اللي حسّيتها وأنا في المطبخ، حسّيت إن الدنيا بتلفّ بيّا، غيّرت هدومي وخرجت، مكانش في مكان مُحدَّد هروحه، بسّ ماكُنتش عايزة أقعد في الشّقة.
مَرجِعتش غير لمّا إيهاب كلّمني وسألني أنا فين، قُلت له: إنّي قاعدة في المول اللي جنبنا، لمّا عرفت إنه في السَّقة رجعت، استغرب إنّي أوّل مرة أتصرّف بالشّكل ده، حسّيت إنّه متعصَّب، لكنّه بدأ يهدا لمّا بدأت أحكي لُه اللي حَصَل ليلة امبارح:
-أنا مُش عايزة أفضل في الشَّقّة دي.
-مالها الشَّقة؟!
حَكيت لَه كل حاجة بالتفصيل، لكن كان باين عليه إنّه مُش مقتنع، ساعِتها قال لي:
-إحنا عايشين من سنتين في الشَّقة، مشوفتش فيها أي حاجة.
-إيهاب .. أنا في حاجة هي اللي خلّتني أصحى من النوم .. دا غير إنّي لمّا بصّيت ورايا بعد اللي حصل في المطبخ لقيت شَبح لونه أبيض شكله بَشع .. أنا مُش بيتهيأ لي .. كل ده كان واقع أنا حاسّة بُه.
-طيّب ممكن تهدي؟ .. أنتِ أعصابك تعبانة من حاجة وأكيد محتاجة ترتاحي.
-أنت تُقصد إني مجنونة؟
-أنا ماقُلتش كِدَه .. طبيعي إن أي حد فينا أعصابة تتعب شويّة.
ساعِتها عرفت إن الكلام مع إيهاب مُش هيفيدني بحاجة، اتصلت بصديقة ليّا، هي قريّبة منّي جدًّا، أقدر أتكلّم معاها بدون ما تبُص لي على إنّي مجنونة، حَكيت لَها اللي حَصَل، ولقيتها بتتجاوب معايا وبتسمعني، اقترحت عليّا إنّ لازم حد ييجي يشوف الشَّقة، ولو فيها حاجة يصرفها، لكن مجرد الفكرة نفسها كانت مرفوضة بالنسبة لي، أنا مُش عايزة أدخل في الدوامة دي، اللي بيدخُلها مابيُخرجش منها.
***
كان لازم أقوم أحضّر الغدا، وقفت في المطبخ وشغّلت إذاعة القرآن الكريم، ولَّعت البوتاجاز وبدأت أجهّز حاجة الأكل، كُنت مشغولة بالحاجة اللي فوق البوتاجاز، افتكرت إنّي نسيت أحط ملح في الأكل، التفتت بسرعة عَشان أجيب الملح؛ لكن اتفَزَعت لمّا لقيت الشَّبح الأبيض في وشّي، رجعت بسرعة لـِ ورا لدرجة إن الأكل اللي على النار كان هيقع فوقي، دقَّقت في ملامح الوشّ الأبيض اللي قدّامي، المرّة دي كان ظاهر بشكل بَشِع أكتر، كان بيضحك ضحكة خبيثة ومخيفة، غمّضت عيني عشان ما اشوفش ملامحه المرعبة، ولمّا فتَّحت مالقيتش حاجة قدّامي.
قِدِرت أسيطر على نفسي لغاية ما خلَّصت الغدا، خرجت بسرعة من المطبخ، بمجرد ما خرجت إذاعة القرآن الكريم وقفت، بصّيت ورايا لقيت المطبخ ضلمة، بالظبط كأن الليل نزل عليه لواحده، ولمحت ظل أسود بيتحرَّك وكان فوقه الوِشّ الأبيض المرعب ده.
علطول اتصلت بصديقتي، اللي كانت لسّه مصرَّة على رأيها، لدرجة إنّها قالت:
-لو متأكّدة إن اللي بيحصل لِك ده مش تهيّؤات يبقى لازم حد ييجي يشوف الشَّقة ويطهّرها من اللي فيها.
المرَّة دي حسّيت إنّي عندي استعداد أتقبّل الفكرة، لأنّي ببساطة مُش بيتهيّأ لي، الموضوع بدأ بشكل مفاجئ وبيتطوَّر بسرعة، أكيد الموضوع مع الوقت هيزيد.
خلَّصنا الغَدَا، إيهاب كان ملاحظ إنّي متوتّرة، عشان كِدَه سألني:
-مالك! .. حَصَل حاجة؟
-حاجة زي إيه؟!
-شايفِك بتبُصّي للمَطبَخ كتير .. لسّه بتفكّري في اللي حَصَل؟
-لا أبدًا .. أنا الموضوع راح من دِماغي أصلًا.
-حاولي متفكّريش كتير .. ممكن يكون إرهاق أو زيادة تفكير .. متخلّيش الموضوع ياخُد أكبر من حجمه.
بعد حواره معايا محبّتش أفتح في أي كلام، ما صدَّقت إنه دَحَل يرتاح بعد الغَدَا، اتصلت بصديقتي، وحكيت لَها عن الحوار اللي دار بيني وبينه، وتقريبًا اقترحت عليّا نفس الفكرة اللي بفكّر فيها، لازم حد ييجي يشوف الشَّقة، لكن في وقت إيهاب مايكونش موجود فيه.
***
للمرَّة التانية بقوم من النوم، نفس اللي حصل بيتكرَّر، إيد بتخبطني في كِتفي بتصحّيني، نَفس الكَدمة بتظهر مكان ما حسّيت بالإيد.
أنا عطشانة بطريقة صعبة!
افتكرت إنّي حطّيت إزازة مياه جنبي عَشان لو قُمت بالليل، بصّيت عليها مالقتهاش، صحّيت إيهاب وسألته:
-فين إزازة المياه؟!
-بتصحّيني عَشان تسأليني على إزازة مياه؟!
-أنا سيباها جنبي هنا عشان لو عطشت بالليل.
-أنا دخلت أنام بعدِك .. مكانش في حاجة!
حاوِلت أقاوِم العَطش، لكنّه كان بيزيد بطريقة غريبة، زي ما يكون بقالي أسبوع ماشربتِش، وطبعًا مكانش في قُدّامي غير المطبخ.
خطوتي كانت تقيلة، العَطَش بياكل في حَلقي، لكن الخوف من إنّي أدخل المَطبَخ كان بيشدّني ورا، في نهاية الطُرقة قدّام باب المَطبَخ، بدأ الوِشَ الأبيض يظهر بشكل تدريجي، لَقتني وقفت واتخشّبت مكاني، حاوِلت أرجع مَعرِفتش، صوت عقارب السّاعة كان بيعلَى، وحسّيت إنّي بقرّب من الشيء البَشِع دَه بدون ما رِجلي تتحرَّك خطوة قُدَّام.
وَقَفت قُدَّامه، غصب عنّي لقيتني بَبُص في ملامحه البِشِعَة، جِلده الأبيض المِكَرمِش، الجروح اللي ظاهرة باللون الأحمر، أسنانه، شَعره الأبيض الطويل، الملامح دي ملامح واحدة مُش واحِد.
جِسمي اتحرَّر فجأة، حاولت أهرب وأخرج من المطبخ لكن الباب اختفى.
أنا في ضلمة بين أربع حيطان، الباب مُش موجود، مُش شايفة أي حاجة من الضّلمة، مكانش فيه غير الوِشّ الأبيض هو اللي ظاهر، واللي بدأ يدور حوالين منّي وأسمع ضِحكة مخيفة طالعه منّه، حسّيت إنّ الدُنيا بتدور بيّا، لغاية ما فقدت الوَعي.
قُمت من النوم لَقيتني على السرير، إيهاب كان واقِف على باب الأوضة، وكانت صديقتي جنبي، كُنت مِستغربة اللي أنا شيفاه.
-إيه اللي حَصَل؟!
سألت إيهاب لكنّه متكلّمش، لكن صديقتي اتكلّمت:
-إيهاب اتصل بيّا، قال لي إنّه سِمع صوت خبط في المطبح، قام لقاكي واقعة في الأرض وغايبة عن الوِعي، شالِك وجاب لِك دكتور، الدكتور طمّنه عليكِ وقال إن عندِك هبوط، اتعلَق لِك محلول، واتَّصل عليّا آجي عَشَان لو احتاجتي حاجة.
***
كانِت فُرصة إن إيهاب نِزِل الشُّغل، وطبعًا صديقتي سألتني عن اللي حَصَل في المَطبخ لمّا وَقَعت، مكانش داخِل دِماغها إنّي وَقَعت عَشان عندي هبوط، أنا مفيش عندي أمراض ولا باخد أدوية عَشَان تِعمِل كِدَه.
لمّا حَكيت لها، لقيتها بتقول لي:
-الموضوع بيكبر .. اللي في المطبخ بيحاول يستدرِجِك .. لازم تلحقِي نفسك .. أنا هتّصل بالشِّيخ.
تاني يوم الصُّبح الشيخ كان عندنا، وَصَل بعد ما إيهاب نِزِل بساعة تقريبًا، أوّل ما دَخَل لقيته وَقَف في نُص الريسيبشن وبدأ يبُصّ حواليه، عينه كانت جايبة الشَّقّة كلّها، لغاية ما انتهت عند المَطبَخ، لاحظت إنّه كان مركّز معاه جدًّا، بعدها قَعد وبدأ يتكلّم معايا:
-الشَّقة دي أنتوا أول ناس تسكُن فيها؟
-أيون.
-متأكّدَه إن ماحدّش كان ساكِن قبلكم؟
-إحنا اشترينا الشَّقة جديدة وشطّبناها كمان.
-الشَّقة فيها حاجة مُش كويّسة .. تحديدًا المطبخ.
-حاجة زي إي يا شيخ؟!
-لسّه مُش عارف بالظبط .. لكن الإشارة وصلاني إن في شيء خبيث في المطبخ.
-بس إحنا هنا من فترة طويلة .. والموضوع ده بدأ من وقت قريب جدًّا.
-حاجات كتير بتكون موجودة لكن هايمة في ملكوتها .. وأكتر من سبب ممكن يخلّيها تنشط في عالمنا.
-أنا مُش فاهمة حاجة.
كان رايح يقول حاجة، لكنّه فجأة وَقَف وبدأ يتحرَّك بالرّاحة ناحية المَطبَخ، لغاية ما دَخَل ولقيته بيِقفِل الباب وراه.
الشيخ بدأ صوته يِعلَى، كان بيقرأ نهايات سورة البقرة، ولاحظت إنه بيكرَّر الآيات كتير وكل مرَّة صوته كان بيعلَى عن المرّة اللي قبلها، لغاية ما سِمعته بيقول:
-ارجعي مكانِك .. ارجعي.
حسّينا ساعِتها بزلزال بيهزّ الشّقة باللي فيها، بعدها باب المَطبَخ اتفتح والشّيخ طِلِع، لكن كان على وِشّه حَرق، بالظبط شبه جرح من اللي بشوفه في الوِشّ البَشِع اللي بيظهَر لي.
حاوِلت استَفهِم منّه، لكنه قال لي:
-متدخليش المَطبخ من غير ما تكوني متوضّية .. ولو حسّيتي بحاجة وراكي حذاري انّك تِلتِفِتي .. عَشَان مايِحصَلش فيكي نفس اللي حَصَل فيّا .. إن شاء الله ربنا يقوّيني وأقدر أطهّر لك المكان.
بوّاب العُمارة قال لإيهاب عن الشّيخ اللي طِلِع عندِنا، ساعِتها حَصَلِت مُشكلة كبيرة بيني وبين إيهاب، اللي كان صوته عالي وهو بيقول لي:
-إحنا مالناش في الطريق ده .. حاولي متخلّيش خيالك يودّينا لطريق مالوش نهاية.
البَاب اللي كُنت عَشمانة فيه إنّه هيساعدنا اتقفل، كِدَه معادش هينفع الشّيخ ييجي تاني، عرضت على إيهاب يبيع الشَّقة وناخُد شقّة في مكان تاني، لكن سوق العَقَار واقِف، ومكانش في حلّ إنّي أستمر في الشَّقَة.
فكّرت أنقل أجهزة المطبخ في أوضة تانية، يمكن دَه يحلّ الموضوع ولو بشكل مؤقت، لكن إيهاب رفض دَه، هو لسّه شايف إنّي بشوف تهيؤات، ومُش عارفة ازّاي ممكن يقتنع بإنّ في حاجة فعلًا في المطبخ.
المرّة دي صحيت بالليل، لكن مكُنتش عَطشانة، أنا صحيت على حركة إيهاب وهوّ قايم من النوم، ولمّا سألته رايح فين قال لي:
-عَطشَان.
الكلمة خوّفتني، دوَّرت على إزازة المياه اللي كانت جنب السّرير، مكانتش موجودة.
اختفاء الإزازة في حد ذاته كل مرّة كان غريب، المرّة دي فهمت إن دي أوّل خطوة في استدراجنا إننا نروح المَطبَخ بالليل، عشان كِدَه إيهاب خرج من الأوضة وراح المَطبَخ يِشرَب، حسّيت إنّه اتأخّر، حاوِلت أندَه عليه لكني سمعت صوت خبطة في المَطبَخ.
خرجت من الأوضة أشوف إي اللي حصل، لقيت إيهاب مَرمي في الأرض، فتحت نور المَطبَخ لكنَه ما اشتغَلش، رغم إن النّور موجود في الشَّقة، حاولت أسنِد إيهاب عَشَان يقوم، لمّا خَرَجنا من المطبخ ودخلنا الأوضة، لقيت على وِشّه حَرق، نَفس الحَرق اللي كان على وشّ الشيخ، سألته عن اللي حَصَل فقال:
-كُنت بَشرب .. حسّيت بِنَفَس ورايا .. التَفَت أشوف في إي .. لَقيت وِشّ أبيض فيه جروح لونها أحمر .. بَعد كِدَه وَقَعت ماحسّيتش بنفسي.
-يمكن بيتهيّأ لَك.
-لا مكانش بيتهيّأ لي .. أنا شُفتُه فعلًا.
-نَفس اللي بَشوفه يا إيهاب .. واللي أنت مُش مُقتَنِع إنّي بشوفه.
إيهاب وافِق إننا نطلّع حاجة المطبخ في أوضة فاضية، بعدها قفلنا باب المَطبَخ عَشان نِعزِله عن الشَّقة، عِشنا على كِدَه فترة، محدّش بيقرَّب من باب المطبخ ولا بيحاول يفتحه.
لغاية ليلة صحيت من النوم، ولقيت إيهاب هو كمان صاحي معايا في نفس الوقت، حسّيت إن الموضوع غريب، خرجنا من الأوضة، وكانت المفاجأة إن باب المطبخ مفتوح، بصّينا لبعض بصّة معناها إن محدّش فينا فتح الباب، بدأنا نسمع صوت خطوات في المطبخ، بعدها سمعنا صوت حد بياخد نَفَسه بصوت عالي، ومفيش ثواني وشوفنا الوشّ ده واقف في المطبخ قُدّام الباب المفتوح وبيبُص علينا.
التفتت ناحية إيهاب وقُلت:
-شايف؟
قال لي:
-شايف.
فجأة الباب رِجع لطبيعته، لقيناه مقفول زي ما هو، الوِشّ اختفى ولا كأنه كان موجود، لكن لقيت إيهاب بيقول لي من نفسه:
-كلّمي صديقتك تخلّي الشّيخ ييجي.
***
تاني يوم الصُّبح الشّيخ كان عندنا، صديقتي جابِتُه وِجَت، لكن مكانش جاي لواحده، كان معاه واحِد كفيف.
سمعته وهوّ بيقول له:
-اتفضّل يا مولانا.
كان في إيده عصاية، عبارة عن فرع مقطوع من شجرة ماسكُه في إيده وماددها قدّامه وهو ماشي عشان مايخبطش في حاجة، وَقَف في نُصّ الريسيبشن، بعدها لقيته بيلف العصاية ناحية باب المَطبَخ، وبدأ يمشي ببطئ ناحيته.
حاولت أقرّب منّه عشان أبقى شايفة كل حاجة بوضوح، لكن الشيخ اللي جايبه منعني، إيهاب برضو وصديقتي منعوني من إني أقرَّب.
الشّيخ ضرب الباب بالعصاية بتاعتة 3 مرَّات، ساعِتها الباب اتفَتَح من نفسه، كُنّا واقفين مستغربين اللي بيحصل، بعدها الشيخ دخل وقفل الباب عليه، بصّيت للشيخ اللي جابُه وقُلت لُه:
-أنت مُش هتدخُل معاه؟
ابتَسَم وقال لي:
-أنا مَينفَعش أدخُل .. اللي في المطبخ روح خبيثة .. أبسط حاجة لو معرفناش ننتصر عليها ممكن تاخُد نَظَر اللي قُدّامها .. لأنّه مُمكن الحَرق اللي بتعمله يكون في العين .. عَشان كِدَه مُش هينفع معاها غير مولانا.
صوت كَركَبة، زِعيق، دا اللي كان واصِل عندنا، لكن إيه اللي بيحصل جوّه، الله أعلم!
بعدها حصل صمت رهيب، النور انطفا، ولاحِظنا بعدها إضاءة حمرا خفيفة ظاهرة من تحت عقب باب المطبخ، بعدها سمعت صوت خبط بشاكوش، الشيخ بيكسّر حاجة جوّه، أكتر من ساعة كلنا واقفين على أعصابنا، لغاية ما باب المطبخ اتفتح، والشّيخ طلع وهو مادد العصاية بتاعته قدامه، وكان شايل في إيده خاتِم أسود منقوش عليه نفس ملامح الشَّبح اللي كان بيظهر في المطبخ.
لقيت نفسي بسأل الشيخ:
-إي دَه يا مولانا؟!
-دَه يابنتي أساس الموضوع كله .. الخاتم دَه مرصود .. كان ضمن كِنز موكّل بحراسته روح شريرة .. بشكل أو بآخر الخاتم دَه اتّاخِد من الكِنز .. مُمكن اترمى في مكان .. غالبًا صحرا .. وممكن المكان اللي اترمى فيه كان بيتّاخد منّه رمل بيستخدموه في المباني .. ووصل هنا وكان تايه في الرَّمل لمّا كانت العمارة بتتبنى .. والروح دي كانت راصدة الخاتِم عشان تستعيده وترجّعه للكِنز .. متشغليش بالِك يابنتي .. الموضوع كِده بالنسبة لِك انتهى.
الشِّيخ أخد الخاتِم وِنِزِل، يومها محسّيناش بأي حاجة غريبة من اللي كانت بتحصل بالليل في المطبخ، لكن اتصل بنا الشيخ اللي جاب مولانا الكفيف وطلب مننا إننا نشغّل سورة البقرة باستمرار لمدة أسبوع ونمسح الشّقة كلها بمياه وملح عشان نتخلّص من أي توابع، وقال لنا إن مولانا هيتخلّص من الخاتِم بطريقته، لكن هيحتاج وقت.
الموضوع انتهى، حسّينا براحة نفسيّة عشان خلصنا من كابوس مكانش على البال ولا الخاطر، حياتنا رجعت لطبيعتها، خلاص مكملّين في الشَّقة، المطبخ معادش بيحصل فيه أي حاجة، كل حاجة بقت تمام.
***
كانت ليلة شِتا، بعد الموضوع ما خِلِص بشهر تقريبًا، صحيت من النوم عشان أروح الحمام، لكن اتفاجأت بباب المطبخ مفتوح والنور والع، استغربت ليه إيهاب ماقفلوش، روحت عَشان أقفِلُه، النور انطفا من نفسه، وظهرت صورة الخاتم على الحيطة منوّرة باللون الأحمر، حاجة كِدَه زي الدَّم، وعليها وِشّ الشَّبح البَشِع.
فُقت من اللي أنا شُفته، لقيت كُل حاجة طبيعية، قُلت: أكيد ده من التفكير في الكابوس اللي كان حاصِل، قفلت باب المَطبَخ ورجعت روحت الحمام ودخلت نِمت.
مصحيتش غير على رنّة التليفون، صديقتي، بتقول لي:
-الشِّيخ كلّمني .. بيقول لي: إنهم لقوا مولانا الكفيف مقتول بطريقة غريبة .. كان كلّه غرقان دّم .. كأن جِلدُه كان مسلوخ .. استدعوه عَشان هو كان أكتر حد كان بيروح له في الفترة الأخير .. ولمّا راح شاف المَنظر .. هوّ كان عارف شايِل الخاتِم فين اللي المفروض إنه هيتخلّص منّه خلال أربعين يوم .. لكنّه لقى الصندوق النحاس اللي كان مولانا شايل فيه الخاتم مكسور .. والخاتِم مُش موجود.
قُلت لصديقتي:
-يِمكن حرامي.
قالِت:
-حرامي هيكسر الصندوق ياخُد الخاتم وهيسيب الدَّهب اللي في الصندوق وفلوس؟!
قُمت قَعَدت، جِسمي كُلّه كان بيجيب عَرَق، إيدي تلّجت، افتكرت اللي حَصَل تاني ليلة امبارح، أي دَه؟! المَطبخ؟ مَعقول الموضوع ممكن يكون رِجِع تاني؟!
***
تمّت…
رواية زواج مشروط الفصل الخامس 5 بقلم دعاء زينة